قصة المشير أبوغزالة.. ولوسي أرتين!
لوسي أرتين
by:abdlaadim.t
كان يوما لا يختلف عن غيره من الايام !
ذهب المشير أبو غزالة الي مكتبه في الصباح.. كانت الأعلام ترفرف فوق السواري كعادتها في هذا التوقيت المبكر.. لم تكن بدايات اليوم الجديد تنبئ عن حدث غير عادي سوف يولد من رحم هذا اليوم.. جلس المشير الى مكتبه الوثير تحيطه أجهزة التليفونات المتعددة.. أمامه عشرات الأوراق والتقارير والملفات.. برنامج مزدحم بالعديد من المقابلات واللقاءات والاجتماعات..
فجأة دق جرس التليفون.. رفع المشير السماعة.. لم تطل المكالمة.. لا أحد يعلم ماذا دار فيها.. أو من كان على الطرف الآخر من المكالمة.. بعد لحظات انغلق الخط.. وفوجئ الجميع بالرجل الكبير يلغي برنامجه الحافل.. ولقاءاته العديدة.. يحمل بعض أشياءه وحاجياته المهمة.. ينصرف من مكتبه في هدوء.. يركب سيارته الفارهة.. تختفي به وسط زحام القاهرة.. يمضي اليوم بأكمله وتصدر صحف الصباح التالي وعلى صدر صفحاتها الأولى خبر مثير.. الخبر يحمل نبأ استقالة المشير أبو غزاله من منصبه الكبير.. لكن صياغة الخبر وما بين سطوره من كلمات توحي بأنها إقالة أكثر منها استقالة.
لم يكن الأمر عند هذا الحد يستحق دهشة الرأي العام.. فالمناصب رفيعة المستوى تحتمل التغيير والتبديل.. والاستقالة والإقالة شيئ واحد.. طالما أنها في النهاية تخدم الصالح العام وتتم في إطار من المشروعية والقانون.. وتتفق مع السياسة العامة للبلاد وقيم ومبادئ المجتمع.. وقد سبق للمشير أبوغزالة أن ترك منصبه كوزير للدفاع في هدوء لم يقطعه غير فضول بعض المراقبين والصحفيين.. أثيرت وقتها علامات استفهام.. وطرحت اجتهادات.. لكن سرعان ما تبدد كل شئ طالما كانت القيادات الجديدة في المنصب الكبير لا تقل كفاءة ومهارة وفروسية.. وكان شغلها الشاغل هو الصالح العام أيضا.. نسى الناس بسرعة أخبار التعديل الوزاري الذي خرج منه المشير أبوغزالة الى منصب جديد تولى فيه منصب مستشار رئيس الجمهورية.. وهو منصب لا هوية محددة.. بل أقرب ما يكون الى تكريم نهاية الخدمة منه الى الترقية..
ومرة أخرى نسى الرأي العام القضية.. ولم ينشغل بها.. أو يجتهد فيها.. أو يحملها أكثر مما تحتمل حتى كانت المفاجأة التي صحبت خبر استقالة أبوغزالة أو إقالته من منصبه الأخير.. فقد فوجئ الناس في الأيام القليلة التالية لنشر الخبر بما يشبه الصدمة!
قالت الصحف في حياء: أن ثمة معرفة وثيقة تربط بين إقالة المشير.. وحسناء مصر الجديدة.. السيدة لوسي أرتين!
تكهرب الجو.. ونشطت الاجتهادات.. والشائعات أيضا.. لكن الحقائق كانت شيئا آخر غير ما ردده بعض المغرضين.. والحاقدين.. كثرت السكاكين حول رقبة المشير الذي آثر الصمت.. وترك مصر في أجازة قصيرة الى العاصمة الفرنسية.. باريس.. ترك الجمل بما حمل كما يقولون.. أغلق فمه.. واختار الصبر.. فالشائعات مهما سببت من جراح سوف تهزمها الحقائق بمرور الوقت.. وبمزيد من الصبر!
لكن القضية أخذت أبعادا خطيرة..
تحولت الى بلاغات تحققها النيابة العامة.. ودخلت التسجيلات التليفونية الى الساحة.. وشملت محاضر الرقابة الإدارية أسماء معروفة تحتل وظائف مرموقة.. وتزايد الهمس وارتفع الضجيج وعلا صوته.. ووصل الأمر الى مجلس الشعب.. وتحت قبة البرلمان طالت جلسة نواب الأمة يتناقشون.. ويبحثون.. ويتحاورون حول الاستجواب الذي تولى رئيس مجلس الوزراء الرد عليه وكشف أسراره أمام الرأي العام!..
وهكذا أصبحت لوسي أرتين أشهر امرأة في مصر.. خاصة بعد أن ألقي القبض عليها.. وأودعت عنبر التحقيقات على ذمة القضية!
وأكثر الأسماء لمعانا في قضية لوسي أرتين كان المشير أبوغزالة!
قفزت الى الأذهان بسرعة حكايات الماضي.. اشتم الناس رائحة الستينات.. واجتروا ذكريات المشير عبدالحكيم عامر وقصة غرامه الشهيرة بالممثلة برلنتي عبدالحميد.. وشائعة غرامه بالمطربة وردة الجزائرية.. بل أضافوا الى غرام الجنرالات غراما آخر كان طرفاه اللواء علي شفيق مدير مكتب المشير عامر والمطربة المعروفة مها صبري.. لكن سرعان ما توقف الناس أمام حقيقة مؤكدة.. لقد تزوج المشير عامر ومدير مكتبه من الفنانتين المعروفتين برلنتي عبدالحميد ومها صبري بينما بقيت علاقة المشير عامر بالمطربة وردة الجزائرية لا تتجاوز شائعة قوية عاشت زمنا غير قصير في ذاكرة الشعب!..
من هنا قفزت علامات الاستفهام تتراقص أمام العيون وداخل العقول.. فإن لم يكن المشير أبوغزالة قد تزوج من لوسي أرتين كحكايات الستينات.. ولم تكن علاقته بها شائعة كحكاية عامر ووردة الجزائرية فالأمر سوف تكون له دلالات خطيرة.. وسوف يعني أن غراما دارت وقائعه بعيدا عن توثيق المأذون.. ودفع صاحب المنصب الكبير ثمنا فادحا لكل دقة قلب هتفت ذات يوم بلوسي أرتين صاحبة الجمال الذي لا يقاوم!
واستند البعض الى شائعة ترددت عن قصة حب تربط بين المشير أبوغزالة وإحدى نجمات الصف الأول في السينما والتليفزيون اشتهرت في السنوات بأدوار الهانم!
وردد هؤلاء بأنه طالما كان قلب المشير أبوغزالة يعرف الحب ويذوب فيه مع إحدى بطلات السينما فماذا يمنع من أن يكون حبا جديدا قد ربط بينه وبين لوسي أرتين؟!
فريق آخر أكد أن المكالمات التليفونية المسجلة دليلا على براءة المشير أبوغزالة أكثر منها دليلا على إدانته فهو لم يطارحها الغرام من خلال تلك المكالمات ولم يشاغلها بكلمات الغزل سواء العفيف أو غير العفيف.. وكان هذا الفريق يردد جملة واحدة في نهاية تعليقاته.. "اتقوا الله في المشير"!.. لكن هؤلاء نسوا أنه لم تكن هناك تسجيلات تليفونية للمشير في قضية لوسي!
والذي لا يعلمه هذا الفريق أو ذاك أن لوسي أرتين كانت تعرف المشير جيدا.. وترد على مكالمته التليفونية.. وفي بعض الأحيان تبادر هي بالاتصال به.. فما هي الحقيقة التي غابت عن الناس.. ولم تصل الى الرأي العام المصري.. ولم تتناولها الصحف المصرية أو العربية سواء عمدا أو سهوا؟!.. كيف تعرفت لوسي أرتين على المشير أبوغزالة؟! وكيف تطورت العلاقة حتى وصلت الى قمة الميلودراما؟!
الحقائق تقول أن صداقة قوية كانت تجمع بين المشير أبوغزالة ووالد لوسي أرتين الذي كان يشغل منصب المدير المالي لإحدى الشركات المنفذة لبعض مشروعات البناء للقوات المسلحة.. وبحكم وظيفة الأب وموقع المشير تطورت العلاقة الى صداقة حميمة فرضها الواقع والمنطق.. والد لوسي أرتين يقوم بعمله على خير وجه.. صادق.. أمين.. دمث الخلق.. والمشير يحترم هذه الصفات في كل الذين يتعاملون معه ويتحلون بها.. خاصة وأن والد لوسي كانت له هو الآخر صداقات واسعة مع عدد كبير من الشخصيات العامة والمسئولة.. وكان الجميع يحترمونه ويواظبون على الاتصال به من حين لآخر للاطمئنان عليه وفي المناسبات لتهنئته.. وكان المشير يتصل به هو الآخر من حين لحين لسؤاله عن أخبار المشروعات وأخباره الشخصية.
ومرات كثيرة كان المشير يتصل تليفونيا فلا يجد والد لوسي.. وكانت هي ترد على المكالمة بكلمات المجاملة الرقيقة التي تبدأ دائما بأهلا يا "أونكل".. وذات مرة سألها عن أحوالها مع زوجها بعد أن دبت المشاكل بينهما.. نصحها بالتريث فأخبرته أنها لا تريد هدم بيتها وعشها الهادئ.. لا تريد أن تحرم طفلتيها من والدهما.. تتحمل كل الهوان والعذاب ليبقى زوجها بين بنتيه الصغيرتين.. لكنها لا تجد من زوجها شعورا متبادلا.. فهو يقع دائما تحت سيطرة أسرته.. كان رد المشير في العديد من المكالمات لا يخرج عن نصيحتها بالصبر.. وتصمت لوسي.. وتنتهي المكالمة في كل مرة بأمنيات المشير لها بالتوفيق في إنهاء مشاكلها العائلية ثم يختتم المكالمة طالبا منها إخبار والدها بضرورة الاتصال به.
تكررت المكالمات.. وتكررت شكوى لوسي من تعنت زوجها.. وسلبيته أمام عداء أسرته لها.. فما هي حقيقة الجحيم الذي قررت لوسي أنها تعانيه ليل نهار في حياتها الزوجية؟!.. ولماذا وصلت مع زوجها الى الطريق المسدود؟!..
لابد أن لكل نهاية.. بداية فما هي بداية الطريق؟!
كانت لوسي في عامها السابع عشر عندما تعرفت على الشاب الرياضي "يرفانت".. فتاة في عمر الزهور.. شقراء طاغية الجمال.. رشيقة القوام.. واسعة العينين.. تجمع عيناها بين زرقة البحر وخضرة أوراق الشجر.. نحيلة الأصابع.. وكما تقول الأغاني "فمها مرسوم كالعنقود".. شعرها سلاسل ذهبية تتطاير مع أول نسمة هواء كطفل يلهو في براءة.. أنيقة.. تتمتع بحضور قوي.. وجاذبية مثيرة.. وأنوثة صارخة.. تبدو أحيانا عاصمة لجمال الشرق.. وأحيانا أخرى تبدو رمزا لرقة الغرب.. لا تستطيع أن تحدد أمام رقتها وجمالها إن كانت ملهمة للشعراء كما في حكايات قيس وليلى.. أما ملهمة للأبطال كما في قصص هتلر وإيفا!
كانت تتردد على نادي الأرمن فهي مسيحية أرمينية.. مصرية الجنسية.. شباب النادي يحوم حولها حيثما ذهبت أو حلت.. يتسابقون على الفوز منها بابتسامة.. أو حتى نظرة رضا من وجهها المضئ كالقمر.. المشع كالشمس.. المتألق كنجوم السماء في ليالي الربيع.. لكن لوسي لم تفتح قلبها إلا لشاب واحد.. إنه يرفانت.. طويل القامة.. مفتول العضلات.. رياضي.. بهرها.. أحبته بكل عنف المراهقة رغم أنه كان يكبرها بأكثر من عشر سنوات.. قلبها كان بكرا بلا تجارب أو غزوات أو نزوات.. انفتحت أبوابه على مصراعيها أمام هذا الطارق بإلحاح.. عارض أبوها رغبتها في الزواج من يرفانت.. لكن أمها وقفت الى جوارها.. أصرت على أن تتزوج ابنتها ممن تحب مهما كان فارق السن أو الطباع.. وعلى الفور تحدد موعد الزفاف.
وأقيم حفل الزفاف في إحدى كنائس الأرمن بمصر الجديدة.
اقتصر الحفل على أقارب العروسين وأبناء الطائفة الأرمينية في مصر.. وكان على رأس المدعوين أقارب العروس الفنانتان الاستعراضيتان نيللي ولبلبة.. وفجأة أشيع أن المشير أبوغزالة سوف يحضر الحفل ومعه وزيران.. تعجب المدعوون من الخبر الذي تردد بين جنبات القاعة.. فالمشير مرشح حينئذ لمنصب نائب رئيس الجمهورية.. هكذا يردد الناس.. وربما دارت الأيام دورتها وأصبح رئيسا لمصر.. كما أنه يحظى بشعبية هائلة.. وحفل الزفاف سوف يكون فرصة للحاضرين لرؤيته عن قرب.. وربما أيضا مصافحته والحديث إليه.. كانت تلك أول مرة يشاع فيها اسم المشير.. لكن الساعات مضت.. ووقت الحفل انتهى ولم يحضر المشير أو الوزيران.. بل تعجبت لوسي أرتين نفسها من الشائعة وممن أطلقها.. لابد أن أصدقاء الوالد اعتقدوا أن صديقه صاحب المنصب الكبير أبوغزالة سوف يجامله بحضور حفل زفاف ابنته.. لكنه كان خيالا لا يستند الى واقع!
وبعد حفل الزفاف وشهر العسل تبخر الحب الكبير!
اقتحمت المشاكل العش الهادئ.. أسرة العريس تريده الى جوارها.. لوسي ترفض.. المشادات الكلامية تحولت مع الأيام الى مشاجرات.. ومحاضر.. واتهامات.. لوسي تحث زوجها على أن يتصدى لمضايقات أسرته لها.. لكنها كما تعتقد كانت لا تجني غير الصمت.. فالزوج يخشى من غضب أبويه وحرمانه من الإرث والثراء الفاحش الذي ترفل فيه أسرته.
لم تفقد لوسي الأمل في احتواء أزمتها العائلية.. أنجبت ابنتها الأولى.. وأصبحت حاملا في ابنتها الثانية.. كانت تعتقد أن أطفالها قد يجعلون زوجها أكثر حرصا على سعادتها واستقرارها وتوفير الأمان لها.. لكن الأمور كانت تتطور بسرعة رهيبة.. وتحول الحب الكبير الى حرب شرسة.. ذهبت لوسي تحرر محضرا تتهم فيه زوجها بمحاولة بقر بطنها لقتل الجنين الذي يتحرك في أحشائها "ابنتها الثانية".. بينما رد الزوج باتهام آخر يؤكد فيه أن زوجته هي التي حاولت الاجهاض لتتخلص من جنينها!... ويتدخل الوسطاء من أهل الخير في محاولة للصلح بين الزوجين.. خاصة وأن لوسي ترحب بذلك بشرط واحد أن تستقل مع زوجها بعيدا عن أسرته..
وتنجح المحاولات مع آلام الوضع.. يذهب يرفانت مع زوجته الحسناء الى المستشفى لتضع مولودتها الثانية.. يطبع قبلة دافئة فوق جبينها.. لكن سرعان ما تنفجر مفاجأة جديدة فور مغادرة لوسي للمستشفى وهي تحمل رضيعتها الوليدة!
وتتحول المفاجأة الى محضر جديد بقسم الشرطة.. قالت فيه لوسي: أنها غادرت المستشفى لتجد أن زوجها قد باع شقة الزوجية لتاجر دخان بالمنصورة بيعا صوريا ليرغمها على الحياة وسط أسرته وخدمة أمه وتقيم مع أسرته في حجرة واحدة تخصها من شقة الأسرة!.. وعلى الفور تأمر النيابة العامة بتمكين لوسي أرتين من شقة الزوجية فورا وعودتها إليه.. بل سارع تاجر الدخان الى تسليم الزوجة الحسناء مفتاح الشقة بعد أن تم تغييره أثناء إقامتها بالمستشفى للولادة!
أصرت لوسي على أن تضع حدا لمأساتها بعد أن انتزع زوجها فتيل الأمان من حياتها.. خاصة بعد أن فشلت كل المحاولات الجديدة للصلح بين الزوجين.. لجأت الى القضاء تطالب بنفقة لها ولابنتيها من زوجها الثري الذي يشارك أباه في معظم ممتلكاته.. وفي مصنع الدخان بنسبة 33%.. فسارع الزوج بالهجرة من مصر.. هاجر الى استراليا وترك لوسي معلقة.. لا هي زوجة.. ولا هي مطلقة!
مضت الزوجة الحسناء في قضيتها أمام محاكم الأحوال الشخصية.. لكن عاما يمضي وراء عام دون الفصل في الدعوى.. وفي قضايا الأحوال الشخصية تتأزم العلاقات العائلية كلمات طال النزاع أمام المحاكم.
ودارت الأيام..
ذات ليلة دق جرس التليفون في بيت لوسي أرتين.. رفعت السماعة.. كان المشير أبوغزالة على الطرف الآخر من المكالمة.. سألها عن والدها فلم يجده.. سألها عن أخبار قضيتها فبكت وبح صوتها.. ثم توسلت إليه أن يتدخل لدى الجهات المسئولة بحثا عن حل لظاهرة بطء التقاضي ومعاناة النساء في محاكم الأحوال الشخصية.. أخبرته أن قضيتها طالت سنوات دون أن تصل الى حكم.. أخذ المشير يهدئ من روعها.. وأمام بكائها المستمر طلب منها اسم القاضي ربما أمكنه التعرف عليه وتوصيته بسرعة الفصل في القضية دون أن يتعرض من قريب أو بعيد لضمير القاضي في الحكم الذي سوف يصدره.
وبالفعل منحته لوسي اسم القاضي.. وموطنه مدينة السويس.
أجرى المشير اتصالا هاتفيا بعدد من المسئولين الكبار بمحافظة السويس.. كانت المفاجأة أن أحدهم يعرف القاضي عن قرب.. منح المشير رقم تليفون القاضي.. اتصل به.. لم يقل له غير كلمات موجزة:
- يا ابني أنا عاوزك تقرأ القضية كويس.. وتحكم فيها بما يرضي ضميرك فأنا أعرف أن مئات القضايا تتكدس أمامكم وربما لا يكون لديك وقتا لقراءة كل تفاصيل القضايا..
ورد القاضي بأنه لم يقرأ القضية بعد ولو كان للوسي حق فسوف تأخذه والقضية عموما محجوزة للحكم.
فجأة.. تقدم والد الزوج بشكوى الى وزير الداخلية.. وأخرى الى الحزب الوطني.. وعلى الفور بدأت مراقبة لوسي أرتين التي كانت تترد على مأمورية الشهر العقاري بمصر الجديدة بصحبة محاميها لنزع ملكية عقار باسم زوجها لتنفذ عليه حكم النفقة المحكوم بها.. لكنها فوجئت ببيع العقار ونقله من ملكية زوجها الى ملكية أخته.. ومن خلال المراقبات والمكالمات التليفونية المسجلة اكتشفت الرقابة الإدارية أن لوسي تتصل بكبار الشخصيات الهامة كاللواء حلمي الفقي مدير الأمن العام.. واللواء فادي الحبشي مدير مباحث وزارة الداخلية.. بالإضافة الى خروجها مع القاضي الذي ينظر قضيتها.. أحيانا منفردين.. وأحيانا كثيرة تكون بصحبتهما زوجته الحاجة إقبال.
وكانت المفاجأة المثيرة عندما صعدت لوسي والقاضي دون أن تكون معهما زوجة القاضي هذه المرة الى مكتب شقيقها – تحت الإنشاء – لوجود بعض المشكلات القانونية مع مالك العقار الذي يقع به المكتب.. لكن بعد دقائق من دخولهما المكتب كانت قوات الأمن تلقي القبض عليهما معا!
وتوالت المكالمات التليفونية على منزل لوسي أرتين للاطمئنان عليها بعد إطلاق سراحها بعد التحقيقات المبدئية في اليوم الأول.
اتصل بها المشير أبوغزالة واللواء حلمي الفقي.. واللواء فادي الحبشي وعدد كبير من الأصدقاء أصحاب الوظائف المرموقة.. وتم رصد هذه المكالمات باعتبار أن القضية مازالت ساخنة.. والحقائق مازالت تائهة.. لكن لم تمض ساعات اليوم التالي حتى صدر قرار حبس لوسي على ذمة التحقيقات.. وبعدها توالت الاستقالات!
قال القاضي أنه لم يتقاضي ثمة رشوة مادية أو جنسية من لوسي أرتين.. وأنه تعاطف هو وزوجته مع لوسي أرتين بعد أن تأكدا من رغبتها الصادقة في العودة الى زوجها.. لكن القاضي صرح أيضا بأن لوسي عزمته على الغداء هو وزوجته أكثر من مرة وكانت تسدد فواتير الحساب.. ومن هنا كانت الشبهة التي يجب أن يتنزه عنها القضاة تمام التنزه.
أما اللواء فادي الحبشي أشهر ضابط مباحث مصري، فقد أكد القاضي أنه برئ تماما، كما سمع من "لوسي أرتين" نفسها.. وأنها حكت عن علاقة عائلية تربطه وبزوجته وأبنائه.. ولم يكن له دور من قريب أو بعيد في قضيتها.
لقد تأكد الجميع أن فادي الحبشي لم يتورط في استغلال نفوذه.. ولم يسئ استعمال سلطاته.. ولم يفرط في وظيفته.. هل كان مطلوبا منه أن يظلم لوسي أرتين ليشتهر بالعدل؟!.. هل كان مطلوبا منه أن يرفض مقابلتها لأنها حسناء صاحبة جمال لا يقاوم حتى لو كان معها الحق ولجأت إليه كما يلجأ إليه أي مواطن؟!.. هل كان يكفيه للحفاظ على منصبه أن يمنع الحسناوات من دخول مكتبه ويجري مساعدوه كشف هيئة للنساء اللائي يطلبن مقابلته في إحدى المشكلات فلا يسمحوا بدخول غير الدميمات؟!..
لقد خرج فادي الحبشي من منصبه مستقيلا لا مقالا ليزداد قوة وهو يمارس مهنة البحث عن العدل للمظلومين الذين يتجرعون من نفس الكأس.. خرج من منصبه اختيارا منه.. لكن الأيام سوف تثبت بعد أن تم حفظ القضية أن المنصب الكبير هو الذي خسر فادي الحبشي!
وأخيرا.. أين المشير أبوغزالة بعد حفظ القضية دون اتهام أحد؟!
•• لقد لزم الصمت.. والصمت كثيرا ما يكون مرا في طعم العلقم.. لكن أحدا لا يقوى عليه غير الرجال!
ذهب المشير أبو غزالة الي مكتبه في الصباح.. كانت الأعلام ترفرف فوق السواري كعادتها في هذا التوقيت المبكر.. لم تكن بدايات اليوم الجديد تنبئ عن حدث غير عادي سوف يولد من رحم هذا اليوم.. جلس المشير الى مكتبه الوثير تحيطه أجهزة التليفونات المتعددة.. أمامه عشرات الأوراق والتقارير والملفات.. برنامج مزدحم بالعديد من المقابلات واللقاءات والاجتماعات..
فجأة دق جرس التليفون.. رفع المشير السماعة.. لم تطل المكالمة.. لا أحد يعلم ماذا دار فيها.. أو من كان على الطرف الآخر من المكالمة.. بعد لحظات انغلق الخط.. وفوجئ الجميع بالرجل الكبير يلغي برنامجه الحافل.. ولقاءاته العديدة.. يحمل بعض أشياءه وحاجياته المهمة.. ينصرف من مكتبه في هدوء.. يركب سيارته الفارهة.. تختفي به وسط زحام القاهرة.. يمضي اليوم بأكمله وتصدر صحف الصباح التالي وعلى صدر صفحاتها الأولى خبر مثير.. الخبر يحمل نبأ استقالة المشير أبو غزاله من منصبه الكبير.. لكن صياغة الخبر وما بين سطوره من كلمات توحي بأنها إقالة أكثر منها استقالة.
لم يكن الأمر عند هذا الحد يستحق دهشة الرأي العام.. فالمناصب رفيعة المستوى تحتمل التغيير والتبديل.. والاستقالة والإقالة شيئ واحد.. طالما أنها في النهاية تخدم الصالح العام وتتم في إطار من المشروعية والقانون.. وتتفق مع السياسة العامة للبلاد وقيم ومبادئ المجتمع.. وقد سبق للمشير أبوغزالة أن ترك منصبه كوزير للدفاع في هدوء لم يقطعه غير فضول بعض المراقبين والصحفيين.. أثيرت وقتها علامات استفهام.. وطرحت اجتهادات.. لكن سرعان ما تبدد كل شئ طالما كانت القيادات الجديدة في المنصب الكبير لا تقل كفاءة ومهارة وفروسية.. وكان شغلها الشاغل هو الصالح العام أيضا.. نسى الناس بسرعة أخبار التعديل الوزاري الذي خرج منه المشير أبوغزالة الى منصب جديد تولى فيه منصب مستشار رئيس الجمهورية.. وهو منصب لا هوية محددة.. بل أقرب ما يكون الى تكريم نهاية الخدمة منه الى الترقية..
ومرة أخرى نسى الرأي العام القضية.. ولم ينشغل بها.. أو يجتهد فيها.. أو يحملها أكثر مما تحتمل حتى كانت المفاجأة التي صحبت خبر استقالة أبوغزالة أو إقالته من منصبه الأخير.. فقد فوجئ الناس في الأيام القليلة التالية لنشر الخبر بما يشبه الصدمة!
قالت الصحف في حياء: أن ثمة معرفة وثيقة تربط بين إقالة المشير.. وحسناء مصر الجديدة.. السيدة لوسي أرتين!
تكهرب الجو.. ونشطت الاجتهادات.. والشائعات أيضا.. لكن الحقائق كانت شيئا آخر غير ما ردده بعض المغرضين.. والحاقدين.. كثرت السكاكين حول رقبة المشير الذي آثر الصمت.. وترك مصر في أجازة قصيرة الى العاصمة الفرنسية.. باريس.. ترك الجمل بما حمل كما يقولون.. أغلق فمه.. واختار الصبر.. فالشائعات مهما سببت من جراح سوف تهزمها الحقائق بمرور الوقت.. وبمزيد من الصبر!
لكن القضية أخذت أبعادا خطيرة..
تحولت الى بلاغات تحققها النيابة العامة.. ودخلت التسجيلات التليفونية الى الساحة.. وشملت محاضر الرقابة الإدارية أسماء معروفة تحتل وظائف مرموقة.. وتزايد الهمس وارتفع الضجيج وعلا صوته.. ووصل الأمر الى مجلس الشعب.. وتحت قبة البرلمان طالت جلسة نواب الأمة يتناقشون.. ويبحثون.. ويتحاورون حول الاستجواب الذي تولى رئيس مجلس الوزراء الرد عليه وكشف أسراره أمام الرأي العام!..
وهكذا أصبحت لوسي أرتين أشهر امرأة في مصر.. خاصة بعد أن ألقي القبض عليها.. وأودعت عنبر التحقيقات على ذمة القضية!
وأكثر الأسماء لمعانا في قضية لوسي أرتين كان المشير أبوغزالة!
قفزت الى الأذهان بسرعة حكايات الماضي.. اشتم الناس رائحة الستينات.. واجتروا ذكريات المشير عبدالحكيم عامر وقصة غرامه الشهيرة بالممثلة برلنتي عبدالحميد.. وشائعة غرامه بالمطربة وردة الجزائرية.. بل أضافوا الى غرام الجنرالات غراما آخر كان طرفاه اللواء علي شفيق مدير مكتب المشير عامر والمطربة المعروفة مها صبري.. لكن سرعان ما توقف الناس أمام حقيقة مؤكدة.. لقد تزوج المشير عامر ومدير مكتبه من الفنانتين المعروفتين برلنتي عبدالحميد ومها صبري بينما بقيت علاقة المشير عامر بالمطربة وردة الجزائرية لا تتجاوز شائعة قوية عاشت زمنا غير قصير في ذاكرة الشعب!..
من هنا قفزت علامات الاستفهام تتراقص أمام العيون وداخل العقول.. فإن لم يكن المشير أبوغزالة قد تزوج من لوسي أرتين كحكايات الستينات.. ولم تكن علاقته بها شائعة كحكاية عامر ووردة الجزائرية فالأمر سوف تكون له دلالات خطيرة.. وسوف يعني أن غراما دارت وقائعه بعيدا عن توثيق المأذون.. ودفع صاحب المنصب الكبير ثمنا فادحا لكل دقة قلب هتفت ذات يوم بلوسي أرتين صاحبة الجمال الذي لا يقاوم!
واستند البعض الى شائعة ترددت عن قصة حب تربط بين المشير أبوغزالة وإحدى نجمات الصف الأول في السينما والتليفزيون اشتهرت في السنوات بأدوار الهانم!
وردد هؤلاء بأنه طالما كان قلب المشير أبوغزالة يعرف الحب ويذوب فيه مع إحدى بطلات السينما فماذا يمنع من أن يكون حبا جديدا قد ربط بينه وبين لوسي أرتين؟!
فريق آخر أكد أن المكالمات التليفونية المسجلة دليلا على براءة المشير أبوغزالة أكثر منها دليلا على إدانته فهو لم يطارحها الغرام من خلال تلك المكالمات ولم يشاغلها بكلمات الغزل سواء العفيف أو غير العفيف.. وكان هذا الفريق يردد جملة واحدة في نهاية تعليقاته.. "اتقوا الله في المشير"!.. لكن هؤلاء نسوا أنه لم تكن هناك تسجيلات تليفونية للمشير في قضية لوسي!
والذي لا يعلمه هذا الفريق أو ذاك أن لوسي أرتين كانت تعرف المشير جيدا.. وترد على مكالمته التليفونية.. وفي بعض الأحيان تبادر هي بالاتصال به.. فما هي الحقيقة التي غابت عن الناس.. ولم تصل الى الرأي العام المصري.. ولم تتناولها الصحف المصرية أو العربية سواء عمدا أو سهوا؟!.. كيف تعرفت لوسي أرتين على المشير أبوغزالة؟! وكيف تطورت العلاقة حتى وصلت الى قمة الميلودراما؟!
الحقائق تقول أن صداقة قوية كانت تجمع بين المشير أبوغزالة ووالد لوسي أرتين الذي كان يشغل منصب المدير المالي لإحدى الشركات المنفذة لبعض مشروعات البناء للقوات المسلحة.. وبحكم وظيفة الأب وموقع المشير تطورت العلاقة الى صداقة حميمة فرضها الواقع والمنطق.. والد لوسي أرتين يقوم بعمله على خير وجه.. صادق.. أمين.. دمث الخلق.. والمشير يحترم هذه الصفات في كل الذين يتعاملون معه ويتحلون بها.. خاصة وأن والد لوسي كانت له هو الآخر صداقات واسعة مع عدد كبير من الشخصيات العامة والمسئولة.. وكان الجميع يحترمونه ويواظبون على الاتصال به من حين لآخر للاطمئنان عليه وفي المناسبات لتهنئته.. وكان المشير يتصل به هو الآخر من حين لحين لسؤاله عن أخبار المشروعات وأخباره الشخصية.
ومرات كثيرة كان المشير يتصل تليفونيا فلا يجد والد لوسي.. وكانت هي ترد على المكالمة بكلمات المجاملة الرقيقة التي تبدأ دائما بأهلا يا "أونكل".. وذات مرة سألها عن أحوالها مع زوجها بعد أن دبت المشاكل بينهما.. نصحها بالتريث فأخبرته أنها لا تريد هدم بيتها وعشها الهادئ.. لا تريد أن تحرم طفلتيها من والدهما.. تتحمل كل الهوان والعذاب ليبقى زوجها بين بنتيه الصغيرتين.. لكنها لا تجد من زوجها شعورا متبادلا.. فهو يقع دائما تحت سيطرة أسرته.. كان رد المشير في العديد من المكالمات لا يخرج عن نصيحتها بالصبر.. وتصمت لوسي.. وتنتهي المكالمة في كل مرة بأمنيات المشير لها بالتوفيق في إنهاء مشاكلها العائلية ثم يختتم المكالمة طالبا منها إخبار والدها بضرورة الاتصال به.
تكررت المكالمات.. وتكررت شكوى لوسي من تعنت زوجها.. وسلبيته أمام عداء أسرته لها.. فما هي حقيقة الجحيم الذي قررت لوسي أنها تعانيه ليل نهار في حياتها الزوجية؟!.. ولماذا وصلت مع زوجها الى الطريق المسدود؟!..
لابد أن لكل نهاية.. بداية فما هي بداية الطريق؟!
كانت لوسي في عامها السابع عشر عندما تعرفت على الشاب الرياضي "يرفانت".. فتاة في عمر الزهور.. شقراء طاغية الجمال.. رشيقة القوام.. واسعة العينين.. تجمع عيناها بين زرقة البحر وخضرة أوراق الشجر.. نحيلة الأصابع.. وكما تقول الأغاني "فمها مرسوم كالعنقود".. شعرها سلاسل ذهبية تتطاير مع أول نسمة هواء كطفل يلهو في براءة.. أنيقة.. تتمتع بحضور قوي.. وجاذبية مثيرة.. وأنوثة صارخة.. تبدو أحيانا عاصمة لجمال الشرق.. وأحيانا أخرى تبدو رمزا لرقة الغرب.. لا تستطيع أن تحدد أمام رقتها وجمالها إن كانت ملهمة للشعراء كما في حكايات قيس وليلى.. أما ملهمة للأبطال كما في قصص هتلر وإيفا!
كانت تتردد على نادي الأرمن فهي مسيحية أرمينية.. مصرية الجنسية.. شباب النادي يحوم حولها حيثما ذهبت أو حلت.. يتسابقون على الفوز منها بابتسامة.. أو حتى نظرة رضا من وجهها المضئ كالقمر.. المشع كالشمس.. المتألق كنجوم السماء في ليالي الربيع.. لكن لوسي لم تفتح قلبها إلا لشاب واحد.. إنه يرفانت.. طويل القامة.. مفتول العضلات.. رياضي.. بهرها.. أحبته بكل عنف المراهقة رغم أنه كان يكبرها بأكثر من عشر سنوات.. قلبها كان بكرا بلا تجارب أو غزوات أو نزوات.. انفتحت أبوابه على مصراعيها أمام هذا الطارق بإلحاح.. عارض أبوها رغبتها في الزواج من يرفانت.. لكن أمها وقفت الى جوارها.. أصرت على أن تتزوج ابنتها ممن تحب مهما كان فارق السن أو الطباع.. وعلى الفور تحدد موعد الزفاف.
وأقيم حفل الزفاف في إحدى كنائس الأرمن بمصر الجديدة.
اقتصر الحفل على أقارب العروسين وأبناء الطائفة الأرمينية في مصر.. وكان على رأس المدعوين أقارب العروس الفنانتان الاستعراضيتان نيللي ولبلبة.. وفجأة أشيع أن المشير أبوغزالة سوف يحضر الحفل ومعه وزيران.. تعجب المدعوون من الخبر الذي تردد بين جنبات القاعة.. فالمشير مرشح حينئذ لمنصب نائب رئيس الجمهورية.. هكذا يردد الناس.. وربما دارت الأيام دورتها وأصبح رئيسا لمصر.. كما أنه يحظى بشعبية هائلة.. وحفل الزفاف سوف يكون فرصة للحاضرين لرؤيته عن قرب.. وربما أيضا مصافحته والحديث إليه.. كانت تلك أول مرة يشاع فيها اسم المشير.. لكن الساعات مضت.. ووقت الحفل انتهى ولم يحضر المشير أو الوزيران.. بل تعجبت لوسي أرتين نفسها من الشائعة وممن أطلقها.. لابد أن أصدقاء الوالد اعتقدوا أن صديقه صاحب المنصب الكبير أبوغزالة سوف يجامله بحضور حفل زفاف ابنته.. لكنه كان خيالا لا يستند الى واقع!
وبعد حفل الزفاف وشهر العسل تبخر الحب الكبير!
اقتحمت المشاكل العش الهادئ.. أسرة العريس تريده الى جوارها.. لوسي ترفض.. المشادات الكلامية تحولت مع الأيام الى مشاجرات.. ومحاضر.. واتهامات.. لوسي تحث زوجها على أن يتصدى لمضايقات أسرته لها.. لكنها كما تعتقد كانت لا تجني غير الصمت.. فالزوج يخشى من غضب أبويه وحرمانه من الإرث والثراء الفاحش الذي ترفل فيه أسرته.
لم تفقد لوسي الأمل في احتواء أزمتها العائلية.. أنجبت ابنتها الأولى.. وأصبحت حاملا في ابنتها الثانية.. كانت تعتقد أن أطفالها قد يجعلون زوجها أكثر حرصا على سعادتها واستقرارها وتوفير الأمان لها.. لكن الأمور كانت تتطور بسرعة رهيبة.. وتحول الحب الكبير الى حرب شرسة.. ذهبت لوسي تحرر محضرا تتهم فيه زوجها بمحاولة بقر بطنها لقتل الجنين الذي يتحرك في أحشائها "ابنتها الثانية".. بينما رد الزوج باتهام آخر يؤكد فيه أن زوجته هي التي حاولت الاجهاض لتتخلص من جنينها!... ويتدخل الوسطاء من أهل الخير في محاولة للصلح بين الزوجين.. خاصة وأن لوسي ترحب بذلك بشرط واحد أن تستقل مع زوجها بعيدا عن أسرته..
وتنجح المحاولات مع آلام الوضع.. يذهب يرفانت مع زوجته الحسناء الى المستشفى لتضع مولودتها الثانية.. يطبع قبلة دافئة فوق جبينها.. لكن سرعان ما تنفجر مفاجأة جديدة فور مغادرة لوسي للمستشفى وهي تحمل رضيعتها الوليدة!
وتتحول المفاجأة الى محضر جديد بقسم الشرطة.. قالت فيه لوسي: أنها غادرت المستشفى لتجد أن زوجها قد باع شقة الزوجية لتاجر دخان بالمنصورة بيعا صوريا ليرغمها على الحياة وسط أسرته وخدمة أمه وتقيم مع أسرته في حجرة واحدة تخصها من شقة الأسرة!.. وعلى الفور تأمر النيابة العامة بتمكين لوسي أرتين من شقة الزوجية فورا وعودتها إليه.. بل سارع تاجر الدخان الى تسليم الزوجة الحسناء مفتاح الشقة بعد أن تم تغييره أثناء إقامتها بالمستشفى للولادة!
أصرت لوسي على أن تضع حدا لمأساتها بعد أن انتزع زوجها فتيل الأمان من حياتها.. خاصة بعد أن فشلت كل المحاولات الجديدة للصلح بين الزوجين.. لجأت الى القضاء تطالب بنفقة لها ولابنتيها من زوجها الثري الذي يشارك أباه في معظم ممتلكاته.. وفي مصنع الدخان بنسبة 33%.. فسارع الزوج بالهجرة من مصر.. هاجر الى استراليا وترك لوسي معلقة.. لا هي زوجة.. ولا هي مطلقة!
مضت الزوجة الحسناء في قضيتها أمام محاكم الأحوال الشخصية.. لكن عاما يمضي وراء عام دون الفصل في الدعوى.. وفي قضايا الأحوال الشخصية تتأزم العلاقات العائلية كلمات طال النزاع أمام المحاكم.
ودارت الأيام..
ذات ليلة دق جرس التليفون في بيت لوسي أرتين.. رفعت السماعة.. كان المشير أبوغزالة على الطرف الآخر من المكالمة.. سألها عن والدها فلم يجده.. سألها عن أخبار قضيتها فبكت وبح صوتها.. ثم توسلت إليه أن يتدخل لدى الجهات المسئولة بحثا عن حل لظاهرة بطء التقاضي ومعاناة النساء في محاكم الأحوال الشخصية.. أخبرته أن قضيتها طالت سنوات دون أن تصل الى حكم.. أخذ المشير يهدئ من روعها.. وأمام بكائها المستمر طلب منها اسم القاضي ربما أمكنه التعرف عليه وتوصيته بسرعة الفصل في القضية دون أن يتعرض من قريب أو بعيد لضمير القاضي في الحكم الذي سوف يصدره.
وبالفعل منحته لوسي اسم القاضي.. وموطنه مدينة السويس.
أجرى المشير اتصالا هاتفيا بعدد من المسئولين الكبار بمحافظة السويس.. كانت المفاجأة أن أحدهم يعرف القاضي عن قرب.. منح المشير رقم تليفون القاضي.. اتصل به.. لم يقل له غير كلمات موجزة:
- يا ابني أنا عاوزك تقرأ القضية كويس.. وتحكم فيها بما يرضي ضميرك فأنا أعرف أن مئات القضايا تتكدس أمامكم وربما لا يكون لديك وقتا لقراءة كل تفاصيل القضايا..
ورد القاضي بأنه لم يقرأ القضية بعد ولو كان للوسي حق فسوف تأخذه والقضية عموما محجوزة للحكم.
فجأة.. تقدم والد الزوج بشكوى الى وزير الداخلية.. وأخرى الى الحزب الوطني.. وعلى الفور بدأت مراقبة لوسي أرتين التي كانت تترد على مأمورية الشهر العقاري بمصر الجديدة بصحبة محاميها لنزع ملكية عقار باسم زوجها لتنفذ عليه حكم النفقة المحكوم بها.. لكنها فوجئت ببيع العقار ونقله من ملكية زوجها الى ملكية أخته.. ومن خلال المراقبات والمكالمات التليفونية المسجلة اكتشفت الرقابة الإدارية أن لوسي تتصل بكبار الشخصيات الهامة كاللواء حلمي الفقي مدير الأمن العام.. واللواء فادي الحبشي مدير مباحث وزارة الداخلية.. بالإضافة الى خروجها مع القاضي الذي ينظر قضيتها.. أحيانا منفردين.. وأحيانا كثيرة تكون بصحبتهما زوجته الحاجة إقبال.
وكانت المفاجأة المثيرة عندما صعدت لوسي والقاضي دون أن تكون معهما زوجة القاضي هذه المرة الى مكتب شقيقها – تحت الإنشاء – لوجود بعض المشكلات القانونية مع مالك العقار الذي يقع به المكتب.. لكن بعد دقائق من دخولهما المكتب كانت قوات الأمن تلقي القبض عليهما معا!
وتوالت المكالمات التليفونية على منزل لوسي أرتين للاطمئنان عليها بعد إطلاق سراحها بعد التحقيقات المبدئية في اليوم الأول.
اتصل بها المشير أبوغزالة واللواء حلمي الفقي.. واللواء فادي الحبشي وعدد كبير من الأصدقاء أصحاب الوظائف المرموقة.. وتم رصد هذه المكالمات باعتبار أن القضية مازالت ساخنة.. والحقائق مازالت تائهة.. لكن لم تمض ساعات اليوم التالي حتى صدر قرار حبس لوسي على ذمة التحقيقات.. وبعدها توالت الاستقالات!
قال القاضي أنه لم يتقاضي ثمة رشوة مادية أو جنسية من لوسي أرتين.. وأنه تعاطف هو وزوجته مع لوسي أرتين بعد أن تأكدا من رغبتها الصادقة في العودة الى زوجها.. لكن القاضي صرح أيضا بأن لوسي عزمته على الغداء هو وزوجته أكثر من مرة وكانت تسدد فواتير الحساب.. ومن هنا كانت الشبهة التي يجب أن يتنزه عنها القضاة تمام التنزه.
أما اللواء فادي الحبشي أشهر ضابط مباحث مصري، فقد أكد القاضي أنه برئ تماما، كما سمع من "لوسي أرتين" نفسها.. وأنها حكت عن علاقة عائلية تربطه وبزوجته وأبنائه.. ولم يكن له دور من قريب أو بعيد في قضيتها.
لقد تأكد الجميع أن فادي الحبشي لم يتورط في استغلال نفوذه.. ولم يسئ استعمال سلطاته.. ولم يفرط في وظيفته.. هل كان مطلوبا منه أن يظلم لوسي أرتين ليشتهر بالعدل؟!.. هل كان مطلوبا منه أن يرفض مقابلتها لأنها حسناء صاحبة جمال لا يقاوم حتى لو كان معها الحق ولجأت إليه كما يلجأ إليه أي مواطن؟!.. هل كان يكفيه للحفاظ على منصبه أن يمنع الحسناوات من دخول مكتبه ويجري مساعدوه كشف هيئة للنساء اللائي يطلبن مقابلته في إحدى المشكلات فلا يسمحوا بدخول غير الدميمات؟!..
لقد خرج فادي الحبشي من منصبه مستقيلا لا مقالا ليزداد قوة وهو يمارس مهنة البحث عن العدل للمظلومين الذين يتجرعون من نفس الكأس.. خرج من منصبه اختيارا منه.. لكن الأيام سوف تثبت بعد أن تم حفظ القضية أن المنصب الكبير هو الذي خسر فادي الحبشي!
وأخيرا.. أين المشير أبوغزالة بعد حفظ القضية دون اتهام أحد؟!
•• لقد لزم الصمت.. والصمت كثيرا ما يكون مرا في طعم العلقم.. لكن أحدا لا يقوى عليه غير الرجال!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق